سمع صوتاً خافتاً بينما كان شبه نائم. انتبه من نومه وفتح عينيه وأذنيه يتأكد هل فعلاً قد سمع صوتاً أم كان ذلك من بقايا الأحلام التي لا تفارقه؟ تأكد من أنه لا يزال حياً، فزوجته مستغرقة في نومه وقد علا شخيرها فوق أي ضجيج.

بالأمس في مكتبه حيث يعمل مع مجموعة من الزملاء والزميلات في إحدى المدارس الثانوية، وبينما كان ينظر إلى شاشة هاتفه المحمول، فجأة سمع صوتاً خافتاً يتمتم بكلمات غير مفهومة، أو لعلعه لم يفهم ما سمع لانشغاله بلعب لعبته المفضلة في هاتفه. لم يُعر ذلك الصوت أي اهتمام، ومضى في اللعب وهو سعيد بما حققه اليوم من تقدم في مراحل اللعبة.

وبعد يوم مضن من العمل ما بين إدخال لدرجات الطلبة في حاسوب المدرسة، إلى تصحيح لكراساتهم، دقت الساعة الجرس معلنة انتهاء يوم من العمل المتكرر منذ أكثر من عشرين سنة. انطلق بسيارته عائداً إلى المنزل، وكله شوق للقاء طفله الصغير ذي الأربعة أشهر الذي رزق به بعد خمسة عشر عاماً من زواجه بابنة عمه.

كان الولد نائماً في سريره لدى عودته إلى المنزل. تركه يستمتع بنومه وأحلامه التي تمنى ألا تكون مثل أحلامه المزعجة. وأثناء تنازله طعام الغداء مع زوجته، وبينما يشاهدان الأخبار على شاشة التلفاز، سمع ذلك الصوت الخافت، إلا أن الكلمات كانت واضحة! كانت الجملة التي سمعها جيداً بأذنه اليمنى: إنك سوف تموت خلال يومين، ولن تعيش لترى طفلك يكبر!

أزعجه ما سمعه، وسأل زوجته: هل سمعت شيئاً؟ أجابته: ماذا بك يا رجل، ألا تسمع المذيعة تتلو نشرة الأخبار؟ فرد عليها بهدوء قاتل: ألم تسمعي شخصاً يهمس في أذني؟ لقد اعتادت الزوجة على هذا الحوار شبه اليومي، وقد تأكد عندها أن زوجها به مرض الفصام أو يتخيل أموراً لا يشاهدها ولا يسمع بها غيره.

كان عصام مثالاً للموظف المتفاني في عمله، يحضر إلى منزله دفاتر الطلاب يومياً لتصحيحها وكتابة الملاحظات وعبارات الثناء للطلاب المجتهدين. وقد كان مولعاً بالتدخين، مع أن الذي يراه لا يكاد يشك بأن الرجل لا يعرف كيف يضع اللفافة في فمه. لم تظهر آثار التدخين عليه سواء في صوته أو لون أسنانه أو رائحة ملابسه.

سمع بكاء ولده، وكان متلهفاً لملاعبته ومناغاته بتلك الكلمات الغريبة التي يحب الصغير سماعها من والده. حمله من سريره وأجلسه في حضنه وأخذ في ملاعبته. وعندما رفعه إلى كتفه سمع ذلك الصوت الخافت يقول له: استمتع باللعب معه فلن تره بعد اليوم.

فجأة استيقظ عصام من نومه مفزوعاً. نظر إلى يمينه فوجد زوجته ما تزال نائمة. قبلها على جبينها وهو يدعو الله أن يرزقه بطفل، فقد طال انتظاره ولمّا يأت.



أحمد عبدالسلام محمد

19 مارس 2022