+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: يوميات غبي

  1. #1

    تاريخ التسجيل
    Sep 2004
    الجنس
    1
    العمر
    34
    المشاركات
    385
    معدل تقييم المستوى
    147

    Smile يوميات غبي

    السلام عليكم أول مشاركة وإنشاء الله تعجبكم


    موضوع يوميات غبي.. سانقلها لكم هنا لروعتها وأتمنى ان تعجبكم


    يوميات غبي


    ماذا لو قلت لأحدهم وأنت تحادثه عن الظروف المعقدة التي تمر بها و الديون المتراكمة و الدائنين الحاملين فؤوسهم و عصيهم الغليظة و الكامنين لك على ناصية الشارع الذي تقطن به , و حدّثته عن الحلول المتاحة أمامك و الفرص التي تلوح في الأفق , و الحيرة التي تتملكك و أنت توازن و تحسب و تجمع و تطرح , ثم ختمت حديثك بتنهيدة مستسلمة قائلاً :
    - يا عمي .. على كل حال .. عصفور في اليد خير من عشرة على الشجرة .

    فيفاجئك هذا العم المحترم بضحكة مفرقعة , فيهتز و يترجرج , و يقرقر و يوقوق , و يكاد يغمى عليه من الضحك , ثم يمسح دموعه , و يخفف من لهاثه و أنت تنظر إليه محتاراً متسائلاً عمّا دهى هذا الرجل , و يقول :
    - يارجل , سلامة عقلك , نحن جالسون في بهو مغلق , عن أي شجرة تتحدث , هل ترَ أي عصافير هنا ؟؟؟ .
    ثم يخبطك على ظهرك مازحاً, و يواصل ضحكه .

    ماذا لو التقيت بجارك هذا الصباح , و بعد السلامات و التحيات و القبلات و السؤال القلق عن الصحة ( رغم أنه يبدو مثل الحصان ) و العيال ( بالطبع أنت لن تجسر على سؤاله عن أم العيال ) و الأقارب و الأباعد , و ما إلى ذلك من الضرورات الشرقية للتحية المقبولة اجتماعياً , يسألك و هو مبتسم بغبطة :
    - هه .. على فين العزم إنشاء الله ..؟؟

    و رغم أن الساعة السابعة صباحاً , و رغم أنك تمسك حقيبتك في يدك تنتظر الحافلة و لا يبدو على مظهرك المحترم أمارات المتبطلين العاطلين , و رغم أن اليوم ليس عطلة رسمية , أو عيداً , أو مناسبة مميزة , أو حرباً على الأبواب , أو اجتماعاً عاجلاً لمجلس الأمن , فأنت مع ذلك كله مضطر أن تجيب بلباقة و تهذيب :
    - إلى العمل إن شاء الله .
    - لماذا ..؟؟ خير ..؟؟

    تحملق فيه هنيهة و أنت تدرس هذا المخلوق العجيب و تكاد تقترب من قفاه لتكتشف إن كان طول أذنيه طبيعياً , أو تقرصه في ذراعه لتتأكد أنه كائن بشري عادي , لكنك تتوقف – فليس من اللائق أن يجدك الناس و أنت تختبر الطبيعة البشرية لجارك العزيز – و تجيب مازحاً :
    - لأبصبص على السيدات ..
    - يا شقي .. اتق الله .. ألم يكرمك الله بزوجة صالحة .. لماذا هذا العبث ..؟؟
    و قبل أن تقطّع شعرك ( أو شعره ) و تلطم و تولول و تزمجر , تأتي الحافلة أخيراً لتنقذك من هذا البلاء المستطير .

    حسن .. ما هو الغباء ..؟؟
    أعتقد أن التعريف معقد بعض الشيء .. فعلى أي معيار سنستند في أي تصنيف ..؟؟
    هل هو عدم القدرة على التجريد مثلاً ..؟؟ أم أنه العجز عن ربط المقدمات بالنتائج , أو الأسباب بالمسببات ؟؟؟

    أتدرون ..؟؟ هناك مليارات من(العصبونات) تنسج شبكة مذهلة التعقيد في جمجمة كل منا , و تنتقل نبضات عصبية و كيميائية في مسارات متداخلة بسرعة البرق, و عندما يفكر واحدنا في جواب واحد عن سؤال ينتقيه من ملايين الاحتمالات المفتوحة ينسى أن دماغه ( يحتفل ) بهذا الحدث الجلل , فتقوم قيامة الخلايا التي تفرز و تشحن , و تفور و تغلي , و تعطي و تأخذ , و تستجيب و تأمر , ثم , ترتجّ الحنجرة و يتحرك اللسان ناطقاً ما قررته تلك الخلايا بعد طول عناء .

    لكن ..
    ماذا إن أضحت تلك الخلايا مجرد كائنات طفيلية دبقة ..؟؟
    ماذا إن خمدت تلك النبضات و أصبحت مجرد تيار ضعيف واهن ..؟؟
    ماذا إن انشغلت كتلة الدماغ بهذا الدوار الذي يجتاح العالم حولنا , فتداخلت المرئيات , و تشابكت الحوادث , و زالت حدود الأشياء , و تماهى الكل مع البعض , و ذابت حواجز الحدود بين الحس و المحسوس ..؟؟
    ماذا إن انفصل عالمك الداخلي بتفاصيله و جزئياته و أحداثه عن العالم الخارجي , فأصبح كوناً منفرداً له قوانينه و أحكامه و قوانينه ..؟؟
    ماذا إن صغر العالم شيئاً فشيئاً حتى تلخصت كل خياراتك في خيار واحد فلم يعد دماغك يستطيع الانتقاء بل أضحى مجرد آلة محركة لا تفكر و لا تعي ..؟؟
    ماذا سيحدث بعد كل هذا ..؟؟

    النتيجة الوحيدة المضمونة هي : الغباء ..

    و هذا ما حدث لي بالضبط حين أصبحت غبياً ..

    ما هو الغباء ..؟؟
    هل يوجد غباء مستقل بذاته , أم أننا دائماً نلجأ في توصيفاتنا إلى الإحصائيات التي لا تحتاج إلى مراكز بحثية أو أوراق عمل أكاديمية أو رسائل جامعية ..؟؟

    ماذا إن أصر أحدهم على القول أنها ( عنزة و لو طارت ) ..؟؟
    بالطبع نحن نحمل داخلنا موروثاً جمعياً ورثناه حين كان أجدادنا سكان كهوف و صائدي فرائس , و نحمل أيضاً إشارات إحصائية تشعرنا بشكل ضمني عن اتجاه ( الرأي العام ) فنحاول دوماً الانسياق وراءه و ( لتقل ما يقول الجميع ) بغض النظر عن محاكمتنا العقلية و رأينا الموضوعي .
    إذاً ... إذا جلس عشرة من ( الأغبياء ) و أصر تسعة منهم بشكل قاطع أنها عنزة و لو طارت فإن العاشر سوف يوافقهم بالتأكيد و سيراقب معهم طيران العنزة و تحليقها الرشيق و سيستمتع طبعاً بالعرض الجوي الذي تقدمه تلك العنزة الطائرة .
    هل هو غبي ..؟؟

    لا .. لكنه بشكل أو بآخر أوقف سلسلة التفاعلات الخلوية في دماغه و وجّه كل التيارات التي تصطخب داخله باتجاه واحد فقط , بحيث تلاشت الاحتمالات المفتوحة و تقلصت الفرص التي تتيحها له حرية اتخاذ القرار , فيصبح الجواب على أي سؤال هو : نعم .. مثل الجميع .

    الأمر كله ينضوي تحت الحاجة بالشعور للانتماء إلى الجماعة و بعدم الرغبة في النشوز عن التيار العام المسيطر ..
    هل هو نوع من النفاق إذاً ..؟؟
    لا أعتقد .. فنحن هنا لا نتصرف بشكل واع إرادي .. نحن هنا مجرد آلات تسيرها قوة مجهولة خارجية توحي , و داخلية تنفّذ .. لقد تلاشى وعينا ( الذاتي ) و اندمج تماماً في اللاوعي الجمعي الذي قد يجعل من اللبن أسوداً كالليل و من راسبوتين ملاكاً و من موسيقى الروك ألحاناً عذبة جميلة .

    هذا الصباح كان مفتوحاً لكل الاحتمالات ... نعم .
    كان من الممكن أن أصفع من يجلس جانبي في الحافلة ( نكاية في بايعها ).. لأن وجهه لم يعجبني .. و كان الأمر سيكون معقولاً تماماً .

    و كان من الممكن أن أشتم سنسفيل أجداد البواب العجوز الذي يتلخص عمله في أن يقوم احتراماً لكل موظف يمر عبر الباب و يرفع يده ( تعظيم سلام ) لكل من هب ودب , كان من الممكن أن أشتمه ببساطة لأن تحيته لم ترق لي .. و كان الأمر سيكون مقبولاً تماماً .

    و كان من الممكن أن أغمز زميلتي الحسناء الجديدة التي قاسمتني المكتب, لأختبر مرونتها في إجراء بعض العلاقات , و من الممكن أيضاً أن ألمس يدها بطريقة موحية لأجرّب رد فعلها المبدئي في تلك القضية .. و كان الأمر سيكون منطقياً تماماً.

    لكني كنت غبياً جداً هذا الصباح .. فمن كل تلك الاحتمالات و غيرها لم أنتق إلا احتمالاً واحداً فقط .
    أتدرون ما هو ..؟؟؟
    لقد صافحت – ببلاهة لا تصدق – زبال حارتنا ..
    هل تصدقون هذا الكمّ من الغباء ..؟؟

    نعم .. هكذا ببساطة ذهبت إليه و هو يكنس الشارع , لا أدري لماذا أحسست فجأة أني أحبه , لم يكن وسيماً على الإطلاق , و لم تكن يديه المعروقتين الوسختين مما يشتهي المرء أن يصافحه , و لم تكن رائحته تغري بالاقتراب أكثر من الحد المتعارف عيه اجتماعياً , و لم تكن بيننا علاقة عمل أو صلة قربى أو أي شيء من هذا القبيل .
    لا .. الأمر كله كان ببساطة أننا كنا في الشارع , كائنان بشريان عاديان , يسيران سوياً بصمت , و يحملان هموماً متساوية , و يتنهدان بنفس الطريقة , و يطربان لصوت فيروز الهامس المنبعث من نافذة مغلقة والذي يوشوشنا بحنو في ذلك الصباح الهادئ .

    كانت شعيرات مكنسته تمشط الرصيف حين اقتربت منه , لم يرفع رأسه نحوي , فهو معتاد أن ينظر إلى أسفل , إلى التراب و الغبار و الأوساخ و أحذية المارين , كانت دنياه كلها هناك , حيث قطعة ورق تريد أن تطير فتقبض عليها مكنسته النشيطة , أو عقب سيجارة ماكر يريد أن يختبئ في زاوية الرصيف فتنكشه الشعيرات الماهرة مجبرة إياه أن ينضمّ إلى أصدقائه في العربة , أو فردة حذاء قديم تمددت على بقعة من الظل تحسب أنها في مأمن من اليد الخبيرة التي لم تبالِ باستراحتها القصيرة .

    أتدرون ..؟؟
    رأيته هذا الصباح أنظف مني , رائحته ألطف من العطور المزيفة التي أريقها على جسدي , وجهه أحلى من وجهي الممتلئ تملقاً و خداعاً , ملابسه أغلى من ملابسي المتأنقة الغبية , كان أنقى و أشرف و أبهى .
    كان متحداً مع العالم , متناسقاً مع الأشياء , يدرك موقعه تماماً و يحافظ عليه باحترام ..
    أما أنا ..؟؟؟

    صافحته ... مدّ يده الخشنة بذهول و هو يتأمل هذا الغبي الذي تجاسر أن يقتحم المسافة المحرمة التي تفصله عن الآخرين .. هل هو خطأ ما ..؟؟

    نعم هو خطأي يا سيدي ..
    أنا غبي .. مجرد غبي مر هنا ..
    صافحك و مضى .
    التعديل الأخير تم بواسطة بو شهد ; 14-09-04 الساعة 04:48 AM

  2. #2

    تاريخ التسجيل
    Jul 2004
    الدولة
    الدوحة
    الجنس
    1
    دولتك
    Qatar
    العمر
    48
    المشاركات
    2,671
    معدل تقييم المستوى
    10

    Talking مشاركة: يوميات غبي

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    أشكر أخي العزيز ( بوجاسم ) عاى هذه المشاركة الرائعة.
    لقد استمتعت بقراءتها رغم أنها تعالج موضوعاً بشكل جدي إلا أنها لم تكن تخلو من المتعة.
    لا أريد أن أناقش مفهوم الغباء لأني سوف أفاجئكم بآراء قد تبدو متناقضة ، ولكن الحقيقة التي أصبحت أمراً حتمياً عندي أن لا وجود للغباء إنما هو نوع من التغيير في حياة الإنسان وهذه هي سنة الحياة.
    يسلموووووو ويعطيك ألف عافية عساك على القوة دوووووووووومز :D

  3. #3

    تاريخ التسجيل
    Sep 2004
    الجنس
    2
    المشاركات
    2,427
    معدل تقييم المستوى
    10

    مشاركة: يوميات غبي

    يسلموووو اخوي على الموضوع الرائع والشيق والله يعطيك العافيه

+ الرد على الموضوع

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

     

المواضيع المتشابهه

  1. يوميات مواطن عربى
    بواسطة kareem rashad في المنتدى دوحـة الخــواطر
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 09-01-09, 09:41 PM
  2. يوميات الاعضاء"اقتراح"
    بواسطة أسيرة الشوق في المنتدى دوحـة الـشكاوى والاقـتـراحـات
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 25-11-06, 10:57 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك